في غمرة الأحداث المتسارعة التي يعيشها الوطن، وفي خضمّ المعارك التي تُخاض على أكثر من جبهة، تعود إلى الواجهة تصريحات مثيرة للجدل، تُعيد إلى الأذهان شخصية أثارت الكثير من اللغط والانقسام، ألا وهي شخصية “حميدتي”. ففي الوقت الذي يتطلع فيه السودانيون إلى تجاوز المحنة الراهنة، وإلى ترميم ما دمرته الحرب، تطل علينا أصداء الماضي، لتُذكّرنا بمتاهات لم تُحلّ بعد.
فقد أدلى القيادي “كيكل” بتصريحات جديدة، أعادت إلى الأذهان فرضية بقاء “حميدتي” على قيد الحياة، وتحركاته السرية في الخفاء. تصريحاتٌ تأتي لتؤكد ما أشرنا إليه في خواتيم العام الماضي، حول تحركات مشبوهة لشخص يحمل اسم “آدم الساير”، والذي رجّحنا أنه ليس سوى “حميدتي” متخفيًا. وقد أشرنا حينها إلى مغادرته عبر منطقة حمرة الشيخ، ثم ظهوره في محطات متتالية في كل من إثيوبيا وأوغندا وجنوب أفريقيا، حيث التقى بشخصيات بارزة في تلك الدول.
إن هذه التصريحات، وإن كانت تحمل في طياتها قدرًا من الإثارة والتشويق، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول مدى تأثيرها على الرأي العام، ومدى خدمتها للمصلحة الوطنية العليا، ففي الوقت الذي يتطلب فيه الوطن تضافر الجهود ووحدة الصف، هل يجوز لنا أن ننغمس في تفاصيل شخصية، مهما كانت أهميتها، على حساب القضايا المصيرية التي تواجه البلاد؟
إن حياة أو موت “حميدتي” ليست القضية الأهم في هذه المرحلة الحرجة. فالأهم هو التركيز على معالجة جذور الأزمة، وعلى بناء سودان جديد، يسوده السلام والعدل والمساواة، إن قضية الوطن هي قضية كلية، لا قضية أفراد، ولا يجوز اختزالها في شخص بعينه، مهما كان دوره في الماضي.
قد يكون “كيكل” قد أراد من خلال تصريحاته استثارة “حميدتي” لدفعه إلى الظهور علنًا، أو قد يكون لديه دوافع أخرى غير معلنة، بغض النظر عن الدوافع، يجب أن نعي جميعا أن المرحلة الراهنة تتطلب منا تغليب المصلحة الوطنية على أي اعتبارات أخرى.
إن استحضار الماضي، بما يحمله من آلام ومرارات، قد يكون ضروريا لاستخلاص العبر وتجنب تكرار الأخطاء، يجب أن يكون ذلك في إطار رؤية شاملة، تهدف إلى بناء مستقبل أفضل للوطن، لا إلى إثارة الفتن والنعرات فلننظر إلى الأمام، ولنركز على القضايا التي تهم الوطن والمواطن. ولنجعل من قضية السودان قضيتنا الأولى والأخيرة، بعيدًا عن الحسابات الشخصية والمصالح الضيقة. فالوطن يستحق منا أكثر من ذلك.
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :