في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السودانية بالتدخلات الخارجية الميدانية، برز مؤخراً عنصر جديد يضيف تعقيداً إضافياً إلي المشهد المضطرب أصلاً، فقد أثارت الأنباء والدلائل عن وجود عناصر تركية مشاركة في النزاع السوداني مع المليشيات موجة من التساؤلات والتكهنات حول دوافع أنقرة وتداعيات هذا التدخل على مستقبل العلاقات بين الخرطوم وأنقرة.
لطالما في الأيام الماضية سعت تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان إلي توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد اتخذت من الصراع في السودان بموقعه الاستراتيجي علي البحر الأحمر بوابة لتعزيز حضورها في القارة السمراء غير أن هذا الطموح الجيوسياسي يصطدم اليوم بواقع معقد يضع السياسة الخارجية التركية أمام اختبار صعب بعد بروز اتراك بالحرب الدائرة في الميدان السوداني مضافة للجنسيات المتعددة التي تمتلك الحكومة الدلائل والشواهد، فهل أصبحت تركيا فاقدة للثقة من قبل حكومتنا السودانية، يستوجب علي الحكومة السودانية جهوداً حثيثة علي عدة جبهات علي(المستوى السياسي) يتعين علىي صناع القرار في السودان إعادة تقييم الموقفالتركي بدقة وإجراء حيال المبادرة التركية بما يضمن عدم استغلالها ضد الوطن،(المستوى الأمني) لابد من تعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية في الدول المعنية لضمان عدم تسلل عناصر إرهابية إلي السودان وتحميل تلك الدول بصفة رسمية مشاركتهم،(المستوى الإعلامي) من الضروري تبني خطاب إعلامي متوازن يوضح حقيقة الموقف الحكومي للرأي العام ويؤكد علي أن اي دولة شارك مواطنيها مع المليشيات دولة عدوة لا صديقة للسودان.
إن ظهور عناصر تركية في خضم الصراع السوداني يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الدور التركي ومدى التزامه بمبادئ الحياد والنزاهة في وساطته، فمن جهة قد يرى البعض في هذا التدخل محاولة من تركيا لتأمين مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة ومن جهة أخرى قد يُنظر إليه علي أنه انتهاك صارخ لسيادة الدولة السودانية وتدخل سافر في شؤونها الداخلية.
مما يبرز السؤال الملح حول مصير المبادرة التركية للسلام في السودان فهل ستتمكن أنقرة من الموازنة بين طموحاتها الإقليمية ودورها كوسيط محايد؟ وكيف ستؤثر هذه التطورات علي علاقات تركيا مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى المعنية بالملف السوداني؟
إن التدخل العسكري، مهما كان حجمه أو شكله يحمل في طياته مخاطر جمة، فهو قد يؤدي إلي تصعيد النزاع وتحويله إلي حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، كما أنه قد يقوض الجهود الدبلوماسية الرامية إلي إيجاد حل سلمي للأزمة ويزعزع الثقة في نوايا تركيا وقدرتها على لعب دور بناء في المنطقة، إن ظهور عناصر تركية في ساحة المعركة يثير الشكوك حول حيادية الموقف التركي، ويضع علامات استفهام كبيرة حول نوايا أنقرة الحقيقية، فهل هي حقاً تسعى لتحقيق السلام أم أن لها أجندة خفية تسعى لتحقيقها من خلال هذا التدخل العسكري المزعوم؟ إن الإجابة علي هذا السؤال تتطلب نظرة شمولية وتحليلاً عميقاً لكافة أبعاد المشهد، لقد ألقى ظهور أفراد متورطين في أعمال ضد القوات المسلحة السودانية بظلال كثيفة من الشك علي مصداقية هذه المبادرة، وأثار تساؤلات عميقة حول جدواها وفعاليتها. وهنا تكمن المعضلة الكبرى: كيف يمكن للمبادرة أن تحافظ على زخمها وتحقق أهدافها النبيلة في ظل هذه الظروف المعقدة؟
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :