
تشهد دارفور في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً في التاريخ الحديث، فبين الصراعات المستمرة والتشريد الجماعي وغياب الأمن تنبض قلوب أهلها بالمعاناة التي لا تكاد تقبل التصديق، وفي خضم هذا المشهد المؤلم نسترجع قول الله تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ هذه الآية الكريمة تحمل في طياتها من الدروس والمعاني ما يجعلها خريطة توجيهية في أوقات الأزمات.
إن ما يحدث في دارفور يُلخص مفهوم الفناء في ما يملكه الإنسان من أسباب ومظاهر حياة إذ تتبدد الموارد وتخبو قوى الأمل ويصبح ما اعتدنا عليه من متاع ذكرياتٍ مؤلمة، فالجهود التي كانت تُبذل في سبيل توفير الحياة الكريمة للناس من تعليم وصحة ورفاهية تلاشت في خضم النزاعات والصراعات الأهلية، لكن هذه الصورة القاتمة تتطلب منا استدعاء البصيرة لتسليط الضوء علي ما هو أبعد من مشاهد الفناء لنستحضر المعاني الأعمق التي تنطوي عليها الآية القرآنية.
(ما عند الله باقٍ) هي دعوة للتأمل في قيم الصبر والإيثار والإيمان، إن المشهد في دارفور علي الرغم من قسوته يُعيد تنبيه الإنسانية إلي ضرورة التحلي بهذه القيم، وسط الأنقاض والدمار يظل الأمل في الرحمة الإلهية باقياً جهود إنسانية تصنع الفارق حتي في أضعف اللحظات، إن العمل من أجل السلام ورص الصفوف وتوحيد الجهود هو ما يجلب الأمل الحقيقي، فما يفعله الأفراد والجماعات من دعم ومساندة للمتضررين هو تجسيد لما هو باقٍ في مملكة الخلود.
يجب أن تتضافر الجهود المحلية والدولية لإنهاء النزاع وتحقيق الأمن والاستقرار فعندما نُعلق آمالنا علي ما هو عند الله يجب علينا أيضاً أن نستثمر قدراتنا وإمكاناتنا لبناء مستقبل أفضل، فعبر تحسين الظروف الإنسانية وتقديم الدعم اللازم للنازحين والمتضررين يمكن أن نعيد رسم خريطة الطمأنينة في دارفور، إن ما يحدث في هذه البقعة من الأرض يظل حلقة في سلسلة من الدروس الإنسانية، الحاجة إلي التعاون والعدالة والرحمة تُعد أسساً لا غني عنها لبناء السلام، وفي الوقت الذي تتبدد فيه الأسس المادية للحياة يمكن للقيم الروحية والمعنوية أن تظل ثابتة تعمل كحافز للاستمرار في العمل من أجل الإنسان.
إن الأزمات مثل تلك التي تعصف بدارفور تتطلب منا أن نتأمل في ما يعنيه الفناء والبقاء فمهما تبدلت الأحوال واشتدت الأزمات يبقى الرجاء في الله والمزيد من العمل والتضحية من أجل الناس هو ما يمكن أن يُخرج الحياة من قاع اليأس إلي سمو الأمل، فما عِندَكُمْ يَنفَدُ، لكن ما عند الله باقٍ، علينا أن نسعى لبناء غدٍ أفضل قائمٍ علي المحبة والتعاون.
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :