في خطوةٍ أثارت موجاتٍ من الترحيب، وإن شابها بعضُ التساؤلات المُرّة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إعفاء  السودانيين المقيمين على أراضيها من غرامات الإقامة المتراكمة، قرارٌ يبدو في ظاهره كغيثٍ هطل على قلوبٍ أنهكتها الظروف، ولفتةً إنسانيةً تُحسب لدولةٍ عُرِفَت بمد يد العون، لكن وقبل أن ننخرط  ألَا يحق لنا أن نتساءل: هل هو فعلًا ذاك “الخير” المطلق الذي لا يشوبه شائبة؟ أم أنه، وبشيءٍ من الواقعية المُرّة، مُسَكِّن سياسي موضعي، يُحقن في جبهةٍ سودانيةٍ ملتهبة؟

لا ننكر قيمة القرار، او نُقلّل من قيمة مساعدة السودانيين المقيمين بالامارات في هذه الظروف العصيبة، لكن أليس من حق المُراقب الفطن أن يرى أبعد من طرف أنفه؟ أليس من المنطقي أن نتساءل عن الدوافع الخفية، والأهداف السياسية التي قد تكمن وراء هذا “الكرم” المفاجئ؟

فالسودان، يا سادة، ليس مجرد رقم في معادلة العلاقات الدولية، ولا مجرد بقعة على الخريطة إنه بلدٌ ينزف، وشعبٌ يكابد، ومستقبلٌ يئنّ والإمارات، بما تملكه من نفوذٍ وتأثير، ليست بمنأىً عن هذا المشهد فهل قرار الإعفاء هذا هو مجرد تعبير عن “الحس الإنساني” الرفيع، أم أنه محاولةٌ لتلميع صورة، وترميم علاقات، وتثبيت أقدام في أرضٍ تتراقص على صفيحٍ ساخن؟

قد يقول قائل: “يا قوم، أحسنوا الظن! ما الداعي لكل هذا التشاؤم؟”. وله نقول: التشاؤم ليس ترفًا، بل هو ضرورة ففي عالم السياسة، حيث المصالح تتشابك، والنوايا تتوارى خلف الأقنعة، لا مكان للسذاجة.

ختاماً نأمل أن يكون هذا القرار ليس مجرد “بَنج” سياسي مؤقت، سرعان ما يزول مفعوله، تاركًا الجرح السوداني ينزف من جديد فالسودان يستحق أكثر من مُسَكِّن، يستحق حلولًا جذرية، ودعمًا حقيقيًا، لا مجرد “حقن” تخديرية.