
وسط العواصف التي اجتاحت السودان، وتحت وطأة الحرب والدمار، برز ديوان الزكاة السوداني كحائط صلب يحمل رسالة إنسانية ووطنية ودينية، مُصرًّا على تقديم العون للمحتاجين في أحلك الظروف. هذا الكيان، الذي تأسس على مبادئ الشريعة الإسلامية وأهدافها السامية، أثبت أن المؤسسات التكافلية قادرة على أن تكون عصباً حيوياً للمجتمع، حتى في أشد الأزمات.الزكاة ليست مجرد عبادة، بل هي ركيزة للتكافل الاجتماعي، تجمع بين نصوص الشريعة وروح المسؤولية المجتمعية. ديوان الزكاة السوداني نجح في إدارة هذه المسؤولية بفعالية، متحدياً كل العقبات. فبين الفقر، النزوح، وتداعيات الحرب، أصبح الديوان الملجأ الأساسي للفئات الأضعف، مكرساً أموال الزكاة لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيش. لكن النجاح هنا لم يكن مجرد توزيع إعانات، بل كان إدارة حقيقية للأزمة؛ دعم مؤسسات، تقديم حلول مبتكرة، ومواصلة العطاء رغم أن مقار الديوان نفسها لم تسلم من النهب والتدمير.الواقع السوداني الحالي يفرض أسئلة صعبة على ديوان الزكاة، لكنه في المقابل، قدّم إجابات عملية على أرض الواقع. العاملون فيه، رغم تعرضهم لظروف صعبة، استمروا في تقديم خدماتهم، مُظهرين شجاعة وإصراراً نادراً. وفي بلد يعاني من نقص الثقة في مؤسساته، أثبت الديوان أنه مؤسسة يمكن الاعتماد عليها في زمن الفوضى.لكن إذا أردنا أن يستمر هذا النجاح، فلا بد من مواجهة تحديات جوهرية. إدارة الزكاة تحتاج إلى اجتهاد شرعي مضبوط يوازن بين النصوص والمصلحة العامة. نصوص الشريعة واضحة، لكن التطبيق يحتاج إلى قادة ذوي كفاءة، ورؤية مستنيرة. هنا، يصبح دور مجلس ديوان الزكاة حيوياً: وضع موجهات عامة، اختيار قادة يمتلكون الورع والكفاءة، وضمان أن تظل أموال الزكاة مصانة من العبث أو سوء الإدارة.الظروف الحالية تفرض ضرورة دعم العاملين في ديوان الزكاة، خصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً من الحرب. هؤلاء الجنود المجهولون يستحقون ليس فقط الدعم المادي، بل أيضاً التقدير الوطني لدورهم المحوري. كما أن ربط ديوان الزكاة برئاسة الحكومة يمكن أن يعزز استقلاليته ويزيد من كفاءته في تحقيق أهدافه. هذه الخطوة ستجعله أكثر قدرة على التنسيق مع بقية المؤسسات الحكومية لتحقيق رؤية شاملة للتنمية.المرحلة القادمة يجب ألا تقتصر على توزيع المساعدات؛ السودان بحاجة إلى رؤية جديدة تجعل من أموال الزكاة محركاً للتنمية. استثمار هذه الأموال في مشاريع مستدامة يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً، ويوفر فرص عمل تعيد بناء المجتمعات المتضررة.ديوان الزكاة ليس فقط مؤسسة؛ إنه رمز لصمود أمة تسعى للتغلب على أزماتها. في وقت نحتاج فيه إلى نماذج ملهمة، يبرز الديوان كدليل على أن الإرادة الوطنية، عندما تتحد مع القيم الدينية والإنسانية، قادرة على تحويل المحن إلى فرص. السودان اليوم أمام فرصة تاريخية؛ إذا استطاع تطوير هذه المؤسسة، وإدخالها في قلب المشروع الوطني للتنمية، فإنه يمكن أن يقدم للعالم درساً في كيفية تحويل الألم إلى أمل. والزكاة هنا ليست مجرد فريضة، بل رسالة تعيد بناء الوطن.
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :