في خطوة تاريخية وسابقة في أركان المؤسسة السياسية السودانية، أعلن الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء المكلف، عن قراره بالتخلي عن كافة المخصصات المالية والسكن الرسمي الذي عادة ما يتمتع به رؤساء الحكومات، هذا الإعلان زلزال سياسي.
إدريس الذي اشتهر بفكره المستنير ورؤيته الإصلاحية، لم يكتفِ بهذا القدر من التنازلات، بل تعهد بالإفصاح عن ذمته المالية قبل توليه المنصب، مؤكداً في الوقت نفسه بأن جميع أعضاء حكومته المرتقبة سيقومون بتقديم إقرارات مماثلة، هذه الخطوة الجريئة التي تهدف إلى قطع الطريق على أي ممارسات فساد أو تضارب مصالح، ستجد حظوها في الأوساط الشعبية التي تتوق إلى رؤية قادة يتحلون بالنزاهة والشفافية.
ويُعرف عن الدكتور كامل إدريس أنه رجل دولة بامتياز، يحمل مشروعاً وطنياً متكاملاً يهدف إلى تقويم مسار السودان ورسم ملامح مستقبله، وقد سبق له أن طرح هذا المشروع خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس السابق عمر البشير، إلا أن الظروف لم تسعفه آنذاك، واليوم وبعد سنوات يبدو أن القدر قد ابتسم له ليقود المرحلة الانتقالية ويضع أسس دولة حديثة قوامها العدل والمساواة.
لا شك أن خطوة الدكتور إدريس تمثل تحدياً كبيراً للأعراف السياسية السائدة في السودان، والتي لطالما شهدت استغلالاً للمنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية ومن المتوقع أن تواجه هذه الخطوة مقاومة شرسة من قبل بعض القوى المتنفذة التي اعتادت على الاستفادة من الامتيازات الحكومية.
أن هذه الخطوة قد تكون بمثابة نقطة تحول حاسمة في تاريخ السودان، إذا ما تمكن إدريس من ترجمة وعوده إلى أفعال ملموسة، وتطبيق إصلاحات جذرية في مختلف القطاعات. كما أن نجاح هذه التجربة قد يشجع قادة آخرين على الاقتداء به، مما يساهم في بناء ثقافة جديدة من الشفافية والمساءلة في الحكم.
من المتوقع أن يواجه إدريس معارضة من بعض أعضاء حكومته أو من داخل المؤسسة الحكومية بشكل عام، الذين قد لا يرحبون بفكرة التخلي عن الامتيازات، وقد يتعرض إدريس لضغوط شعبية كبيرة لتحقيق نتائج سريعة، وهو ما قد يكون صعباً في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المعقدة التي يمر بها السودان، يواجه السودان تحديات اقتصادية كبيرة، وقد يعيق ذلك قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات التي سوف يتناولها في خطابه الأول.
يبقى السؤال المطروح: هل سيتمكن الدكتور كامل إدريس من تحويل هذه البادرة الطيبة إلى واقع ملموس؟ وهل ستكون هذه الخطوة بداية عهد جديد في السودان، يتميز بالشفافية والمساءلة والعدالة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة.
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :