العنكبوت

الاخبار | مقالات سياسية | إجتماعيه | رياضية

المقالات

نقطة سطر جديد : ماذا يعني قرار البرهان التاريخي: إخضاع القوات المساندة رسميًا لقانون الجيش السوداني..؟

د. حيدر البدري يكتب،
أصدر الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش السوداني، قرارًا مفاجئًا يقضي بإخضاع جميع أفراد ومعدات “القوات المساندة، بشكل كامل لأحكام قانون الجيش السوداني لسنة 2007. القرار الذي أثار جدلاً واسعًا، يُعد نقلة نوعية في المشهد العسكري والسياسي المتشابك بالسودان، ويفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول المعنى والتداعيات.
اولا علينا التفريق بين ( الدمج والإخضاع الإداري). والفرق بينهما كبير جدا.
فهذا القرار قرار إداري تنظيمي للقوات المساندة حتى تلتزم بقوانين وضوابط القوات المسلحة.
غي أن القرار لا شك أن القرار ينهي الوضع شبه المستقل الذي تمتعت به القوات المساندة لسنوات. لم تكن هذه القوات خاضعة بشكل كامل للقوانين واللوائح العسكرية النظامية التي يحكم بها الجيش الرسمي، مما منحها هامشًا كبيرًا في التسليح والتمويل والقيادة والتجنيد والتحرك والرتب العسكرية.
فبهذا القرار يصبح جميع أفراد القوات المساندة، ( حركات مسلحة، البراؤون، قوات كيكل، المستنفرين… الخ) من الضباط والجنود، “عسكريين نظاميين” رسميًا داخل هيكل القوات المسلحة السودانية. هذا يعني خضوعهم المباشر للقائد العام (البرهان) ولمراتب القيادة في الجيش النظامي دون وساطة عسكرية من قيادات الحركات المسلحة.
وعليه سيخضع أفراد القوات المساندة لنفس النظام القضائي العسكري، ونظام الترقيات، والمحاسبة التأديبية، والرواتب، والمزايا، وحتى التقاعد المطبق على نظرائهم في الجيش النظامي. وايضا علينا هنا أن نفرق بين ( الإخضاع للقانون…. والدمج)… فالدمج قطعا يحتاج إلى وقت وترتيبات أمنية معقدة إذ عندها تخضع أسلحتهم ومعداتهم للرقابة والتسجيل والإدارة المركزية التابعة للجيش. وهذا أمر آخر.
إلا أن القرار يمثل خطوة عملية نحو تفكيك بنية “الحركات المسلحة ككيان عسكري موازٍ له قيادته وولاءاته وتمويله المنفصل، وإدماجه قسريًا في بوتقة الجيش الوطني الموحد (نظريًا).

لكن لهذا القرار تبعات وتحديات في واقع الأمر مستقبلاً ،  من ذلك تحديات الدمج العملي من حيث  (التسليح والهيكل).
   خاصة تسليم الأسلحة الثقيلة إذ كيف سيتم نزع وتوحيد السيطرة على الأسلحة الثقيلة (مدرعات، مدافع، صواريخ) التي كانت بحوزة القوات المساندة؟ هذه عملية شائكة قد تثير مقاومة. إن لم تتم تفاهمات عسكرية في منتهى الشفافية.
ثم كيف سيتم إعادة تنظيم عشرات الآلاف من مقاتلي القوات المساندة داخل وحدات الجيش النظامي؟ هل سيتم تفكيك تشكيلاتهم الحالية بالكامل؟ هذا قد يخلق فجوات أمنية أو شروخًا داخلية.
   بالإضافة إلى  أين ستصبح مراتب قادة القوات المساندة السابقين  في الهيكل الجديد؟ أي إحساس بالإهانة أو التهميش قد يكون فتيلًا للتوتر.ولاشك أن القوات المسلحة تضع ذلك في الحسبان.
أيضا تحديات السيطرة والانضباط والولاءات، فالولاءات القبلية والعائلية العميقة داخل صفوف القوات المساندة ستواجه اختبارًا أمام الولاء للجيش ككيان وطني. هل سيطيع الأوامر من قادة جيش لم يعتادوا عليهم؟.. ثم إن مستوى الانضباط والتدريب في القوات المساندة يختلف غالبًا عن الجيش النظامي. فرض النظام العسكري الصارم قد يواجه صعوبات أو مقاومة.
  لذا احتمال انشقاق وحدات أو أفراد رافضين للدمج تحت قيادة الجيش النظامي، وتحولهم إلى جماعات مسلحة عائمة، هو تهديد حقيقي وخاصة في المناطق التي كانت تعتبر معاقل تقليدية للحركات المسلحة .
إضافة إلى تحديات الإمداد والتمويل على أساس الموازنة الموحدة، كيف ستتكفل موازنة الجيش النظامي (المثقلة بالأصل) بتمويل عشرات الآلاف من الأفراد الإضافيين، بما في ذلك رواتبهم وتدريبهم وتسليحهم وصحتهم؟
   القوات المساندة كانت تعتمد على موارد خاصة كبيرة (تعدين ذهب، تجارة، تحصيلات). إغلاق هذه المصادر أو إدارتها مركزياً سيكون صعبًا وقد يخلق نقصًا في التمويل أو احتقانًا.
لذلك ومن باب التحليل نخاف من شعور فقدان الاستقلالية والهوية هذا هو التأثير الأكبر. إذ ستفقد القوات المساندة هويتها ككيان منفصل وذاتي التحكم. قراراتها التسليحية والمالية والتنظيمية ستتخذ من القيادة العامة للجيش. هذا كله طبعا في حالة الدمج وليس الإخضاع.
لكن علينا الآن الوضع في الحسبان أن هذه القوات المساندة عندما  يصبح أفرادها جنودًا نظاميين خاضعين لروتين وقوانين أكثر صرامة، بعيدًا عن المرونة النسبية التي كانت تتمتع بها تشكيلاتهم العسكرية فإن هذا الأمر يحتاج إلى جهد ومتابعة.
ولا ننسى تعقيدات المساءلة القانونية إذ  يصبح أفرادها عرضة للمحاكمات أمام القضاء العسكري النظامي عن أي تجاوزات، وهو ما كان يصعب تطبيقه سابقًا. هذا قد يكون رادعًا،ولكنه يحتاج إلى جهد وضبط شديدين.
هذا الأمر فيه نقطة مهمة وهي إعادة تعريف المسارات الوظيفية فترقيات الضباط بهذه الحركات ستمر عبر قنوات الجيش النظامي، بعد الدمج  مما قد يقيد فرص تقدم قادتهم السابقين مقارنة بزملائهم في الجيش النظامي ذوي الأقدمية الأكاديمية والعسكرية التقليدية. فلاشك أن معظم إن لم يك كل ضباط الحركات هذه ضباط خلا. .
وإذا نظرنا إلى تداعيات أوسع فالمشهد السياسي والأمني المعقد يزيد من التحديات لكن لاشك أن هذه الخطوة المهمة تزيل  عقبة رئيسية كانت تواجهها مفاوضات إحياء المسار السياسي المدني، حيث كان وضع الدعم السريع وقواته أحد أبرز نقاط الخلاف. لكنه قد يزيد تعقيد المفاوضات إذا قاومت القوات المساندة للجيش هذا القرار. ولا أظنها تفعل ذلك في ظل الراهن العسكري والسياسي.
إذا تم تنفيذ القرار بسلاسة، فقد يسهم في توحيد المؤسسة العسكرية ويعزز الاستقرار على المدى الطويل. لكن التطبيق الفعلي محفوف بالمخاطر وقد يؤدي إلى مواجهات داخلية أو انهيار أمني في مناطق كانت تسيطر عليها القوات المساندة.علينا أن لا ننسى الدور الإقليمي، فدول إقليمية كانت تدعم حميدتي أو القوات المساندة بشكل مباشر أو غير مباشر (مثل الإمارات، روسيا عبر فاغنر سابقًا) ستكون مضطرة لإعادة حساباتها وعلاقاتها مع قيادة الجيش النظامي في الخرطوم.
إن قرار البرهان بإخضاع القوات المساندة لقانون الجيش السوداني ليس مجرد قرار إداري، بل هو مدخل مهم لترتيب المشهد العسكري والسياسي السوداني. إنه يحمل في طياته بذور إنهاء حالة التعددية العسكرية وتوحيد المؤسسة الأمنية تحت مظلة واحدة.
نجاح القرار مرهون بقدرة قيادة الجيش على تنفيذه بحنكة وحزم، وإقناع أو إجبار قادة وأفراد القوات المساندة على القبول بوضعهم الجديد . الفشل في ذلك قد يدفع البلاد إلى دوامة جديدة من العنف وعدم الاستقرار.
نقطة سطر جديد.

يمكنك مشاركة هذا المحتوى :

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *