يشهد السودان اليوم تحديات جمة، تتجلى في صراعات سياسية واجتماعية واقتصادية وإذا أردنا الغوص في جذور هذه المشكلات، نجد أنفسنا أمام إشكالية عميقة:المستعمر رحل، لكن الفكرة الوطنية لم تحل محلها بعد.
لقد خلف الاستعمار تركة ثقيلة من التبعية والتشظي، حيث تم ترسيخ مفاهيم وأنظمة تخدم مصالح القوى الخارجية، ومع رحيل المستعمر لم يتمكن السودان من بناء هوية وطنية جامعة قادرة على تجاوز الانقسامات العرقية والجهوية والسياسية، لغياب دور المثقفين والأحزاب، فالمثقفون هم قادة الرأي وصناع الوعي، والأحزاب هي قنوات العمل السياسي، ولكن في كثير من الأحيان نجد أن المثقفين منقسمون بين تيارات فكرية مختلفة، بعضها يتبنى أفكاراً مستوردة، والبعض الآخر يعيش في الماضي، أما الأحزاب فغالباً ما تكون أسيرة للمصالح الضيقة والصراعات على السلطة، مما يعيق بناء مشروع وطني حقيقي.
يمكن القول إن “الوطنية” أصبحت شعاراً فضفاضاً، يرفعه الجميع دون اتفاق على مضمونه الحقيقي، فما هي الوطنية في سياق السودان المتنوع والمتعدد؟ هل هي مجرد انتماء جغرافي، أم هي رؤية مشتركة لمستقبل أفضل؟
إن غياب هذا “الفكر الوطني” الواضح، سمح بانتشار خطاب الكراهية والتحريض، واستغلال المشاعر القومية الضيقة لتحقيق مكاسب سياسية، كما أدى إلى تهميش قضايا حقيقية مثل العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، التي هي أساس أي مشروع وطني حقيقي.
المثقفون، بدورهم، يتحملون مسؤولية كبيرة في هذا السياق فبدلاً من أن يكونوا قادة للتغيير، انخرط الكثير منهم في صراعات أيديولوجية عقيمة، أو أصبحوا مجرد أدوات في يد السلطة، الأحزاب السياسية، بدورها فشلت في تقديم رؤية وطنية شاملة واكتفت بالتركيز على المكاسب الآنية.
إن معضلة غياب الفكر الوطني لا تقتصر على النخب السياسية والثقافية، بل تمتد إلى المجتمع ككل، فالتعليم، على سبيل المثال لم ينجح في ترسيخ قيم المواطنة والتسامح، بل غالباً ما يعزز الانقسامات القائمة، الإعلام بدوره يساهم في نشر خطاب الكراهية والتحريض بدلاً من تعزيز الحوار والتفاهم.
هذا الفراغ الفكري والسياسي أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فغياب رؤية وطنية واضحة يعيق التخطيط والتنمية، ويجعل البلاد عرضة للتدخلات الخارجية كما أن الصراعات الداخلية تستنزف الموارد وتعطل الإنتاج وتزيد من معاناة المواطنين.
المثقفون والأحزاب السياسية في ظل هذا الوضع مطالبون بإعادة النظر في دورهم ومسؤولياتهم يجب عليهم تجاوز الانقسامات الأيديولوجية والمصالح الضيقة، والعمل معاً من أجل بناء مشروع وطني حقيقي، هذا المشروع يجب أن يقوم على قيم العدالة والمساواة والتسامح، وأن يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والرخاء للجميع.
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :