ممدوح حسن عبد الرحيم
كنت قد كتبت في دفتر احوالي مقالا بعنوان (عامل الفرن ) وهو أستاذ جامعي اضطرته ظروف الحرب والنزوح ان يعمل عاملا في فرن بلدي متواضع يجمع الحطب ويشعل النيران ويحمل الطاولة وهو يتصبب عرقا يضيئ في جبينه كأنه لؤلؤا رغم ان لونه قد اختلط بلون السواد واكتسي بالرماد فأصبح يحمل الألوان كلها في منظر بهيج وكفاح مرير ولقمة شريفة ولا يهتم بالوظيفة فهي ايام ستمر وتأريخ يسر حلو ومر
كنت أظنها حالة فردية وقصة رمزية وفلتة عابرة منسية ليس لها مثيل وليست القضية
ولكني رأيت العجب العجاب لمن كان له قلب ولباب ومن كشف له الحجاب وحلق فوق السحاب
رأيت عوائل ليس لها مورد ولا عائل يأتيها رزقها رغدا دون حائل
رأيت عاملا وزارعا وتاجر بل ورأيت عاطل
رأيت رحمت الله تتنزل عليهم كالمطر الهاطل
رأيت نساء واطفال وعجزة ضمن العوائل
رأيتهم تحت ظل شجرة وليس لهم حجرة يأكلون خبز وكسرة
رأيتهم في معسكر أو مدرسة في مدينة أو قرية وفي اقطار العالم منتشرة بعضهم جوازاتهم مؤشرة وبعضهم في التهريب منحشرة
رأيت الأسواق مزدحمة والتجارات منتعشة والأيجارات مرتفعة
رأيت الجيوب الخاوية والأنفس الراضية
رأيت ثم رأيت
رأيت مدبر الأمر راعي الفاجر والبر في البرد والحر في الضيق والعسر
الكبير المتعال وجميع الخلق له عيال يكيل بنفس المكيال للصالح او البطال ويقدر الأحوال وكل شيء عنده بمقدار (وما كان عطاء ربك محظورا )
القاهر فوق عباده المحقق مراده خزائنه لا تنفد وليس لها حد ولا يحرم منها أحد
رأيت ثم رأيت
رأيت عجلة الحياة تدور وليس لنا فيها دور من كان في العراء أو القصور
رأيت العافية خير مطلب لا تشتري بالمال أو الذهب قد توهب وقد تذهب قد نكون نعيما او نار ولهب
رأيت ضحكات الأطفال تخلب كل لب ولا تدري ما الخطب فهي ترتع وتلعب
رأيت ثم رأيت ثم رأيت
(له مقاليد السماوات والأرض)
الطغاة هل هن ممسكات رحمته البغاة هل هن حاجبات غضبته العصاة هل هن مانعات طاعته
رأيت ثم رأيت نصر الله وقد بانت طلعته
ورأيت الظلم قد انقشعت ظلمته والسودان قد عادت لأرضه خضرته
فرجت ورب الكعبة ولا راد لرحمته
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :